اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 221
صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ
لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: 53]، ولذلك ذكروا أن الغرض من هذه النفخة جمع
الخلق وإحضارهم، وأنها نفخة أخرى بالإضافة للنفخات السابقة.
ولا مانع من أن يكون هناك هذه الصيحة المرتبطة
بالجمع والإحضار، ولكنها لا تعتبر من النفخ في الصور، لأن القرآن الكريم، وفي
مواضع أخرى حدد العدد باثنتين، كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ
الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ [النازعات: 6 - 9]
والخلاصة من كل هذا أن تلك النفخة تشبه ذلك
الجرس الذي يدق لنهاية الحصص الدراسية، والذي تتخلله بعض الراحة، ليدق من جديد،
لتبدأ حصص أخرى، أو هو نهاية هذه النشأة بقوانينها، وبداية النشأة الجديدة
بقوانينها الجديدة، والتي يقر العلم الحديث إمكانيتها.
فكل العلماء الآن ـ على خلاف الماضين الذين
كانوا يتوهمون للكون صورة واحدة ـ يرون أن للكون صورا كثيرة جدا لا نهاية لها،
ولكل كون قوانينه الخاصة به، وطبعا هم يذكرون هذا من باب الاحتمال، لا من باب
الواقع.
ولذلك ما المانع أن ينشأ كون جديد، بناء على
معطيات جديدة، ويكون له من التنظيم والدقة ما يفوق هذا الكون بكثير؟
وهذا ما تدل عليه النصوص المقدسة، فالقرآن
الكريم مع إشاراته الكثيرة إلى دقة هذا الكون ونظامه وجماله، وكونه مرآة لتجلي
الحقائق لجميع العقلاء، لكنه في نفس الوقت يذكر أن النشأة الأخرى أكثر دلالة على ذلك
كله، لأنها مبنية على القدرة، بخلاف هذه النشأة المبنية على الحكمة، لأنها من
مقتضيات الابتلاء والاختبار.
وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ
فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 221