اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 210
وقد كان من مقتضيات تلك العدالة ذلك التمايز العظيم
بين الخلق، والقائم على أساس صورة النفس التي تشكلت في الدنيا، ونوع المعدن الذي
تمخضت عنه الأنا، يقول الغزالي: (الناس في الآخرة ينقسمون أصنافاً وتتفاوت درجاتهم
ودركاتهم في السعادة والشقاوة تفاوتاً لا يدخل تحت الحصر كما تفاوتوا في سعادة
الدنيا وشقاوتها ولا تفارق الآخرة في هذا المعنى أصلاً البتة، فإن مدبر الملك
والملكوت واحد لا شريك له. وسنته الصادرة عن إرادته الأزلية مطردة لا تبديل لها)
[1]
وقد أشار إلى هذا التمايز الشديد قوله تعالى:﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ
أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ (الاسراء:21) أي (ولتفاوتهم في
الدار الآخرة أكبر من تفاوتهم الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم
وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العلى ونعيمها وسرورها، ثم أهل
الدركات يتفاتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون)
ولكن هذا التمييز يحتاج إلى محال كثيرة
للتفريق بين الأصناف بعضها عن بعض، وسنحاول في هذا الفصل التعرف على هذه المحال،
وعلاقتها بالعدل الإلهي، ذلك أن العدل يقتضي أن يوضع كل شيء في محله المناسب، ولا
يجازى إلا بما يستحق.
وقد رأينا من خلال استقراء النصوص أن هناك محلين
كبيرين لذلك التمييز:
أولهما ما يطلق عليه النشر والحشر: وهو ما
ورد في النصوص الكثيرة من الأهوال التي يراها البشر عند قيام القيامة، لتثبت لهم
من قدرة الله ما كانوا يجحدونه، ويروا بأعينهم الأدلة الحسية التي كانوا يطالبون
بها.
ثانيهما الحساب والموازين والكتب والسراط
وغيرها: والتي تعرض فيها الأعمال،