اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 584
يبطل حسناته كلها
فلا يثيبه بها أو يثيت بها غيره وكل ذلك جائز عليه لا يعلم أنه لا يفعله إلا خبر
صادق إذ نسبه ذلك وضده إليه على حد سواء) [1]
وهؤلاء تصوروا أن
مجرد إرجاع الأمر إلى المشيئة كاف في الإجابة، استنادا إلى قوله تعالى:﴿ لا
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الانبياء:23)
وهذه الإجابة مع
تقريرها للتوحيد إلا أنها غفلت عن عالم الحكمة الإلهية، ولذلك آثاره الخطيرة على
معرفة الله أو السلوك إليه، فمعرفة الله تستدعي تكامل المعرفة لا الاقتصار على بعض
جوانبها، والسلوك تبع للمعرفة، وثمرة شجرتها.
ومقابل هؤلاء مثبتو
الحكمة الغافلون عن التوحيد، وهؤلاء (أوجبوا على الله سبحانه تخليد من أفنى عمره
في طاعته، ثم ارتكب كبيرة واحدة ومات مصرا عليها في النار مع أعدائه الكفار أبد
الآباد، ولم يرقبوا له طاعة ولم يرعوا له إسلاما) [2]
ومقابل هذين ظهر من
وصف نفسه بالحكمة، فنفى كل ما ورد عن الأنبياء ـ عليهم السلام ـ من العقاب، وتصور
أن كل ذلك مجرد ( تخويف وتخييل لا حقيقة له يزرع النفوس السبعية والبهيمية عن
عدوانها وشهواتها فتقوم بذلك مصلحة الوجود) [3]
بعد هذه الأجوبة
المختلفة المتناقضة حاول ابن القيم أن يبين أن الغاية من كل ما شرعه الله تعالى من
العقوبات أو أخبر عنه هو لتهذيب النفوس وتصفيتها من الشر الذي فيها، ولحصول مصلحة
الزجر والاتعاظ وفطما للنفوس عن المعاودة.
فإذا لم تنتج
العقوبة هذه المصالح لم يعتبرها الشرع، ولم يعاقب بها، ( إنه تعذيب عليم حكيم رحيم
لا يعذب سدى ولا لنفع يعود إليه بالتعذيب، بل كلا الأمرين محال)