اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 527
وقد اتفق العارفون
بالله على أن أكبر رغبة لهم، ولا تتحقق الرحمة الكاملة بهم إلا بتحقيقها هي لقاء
الله، وقد قيل لرابعة:( كيف رغبتك في
الجنة؟)، فقالت:( الجار ثم الدار)
ورابعة في هذا أثر
من آثار امرأة فرعون التي قالت:﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾ (التحريم:
11) فقدمت الجار قبل الدار.
ولذلك يقول
العارفون:( ليس خوفنا من نار جهنم ولا رجاؤنا للحور العين وإنما مطالبنا اللقاء
ومهربنا من الحجاب فقط)
وقالوا:( من يعبد
الله بعوض فهو لئيم كأن يعبده لطلب جنته أو لخوف ناره، بل العارف يعبده لذاته فلا
يطلب إلا ذاته فقط، فأما الحور العين والفواكه فقد لا يشتهيها، وأما النار فقد لا
يتقيها. إذ نار الفراق إذا استولت ربما غلبت النار المحرقة للأجسام، فإن نار
الفراق نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، ونار جهنم لا شغل لها إلا مع
الأجسام، وألم الأجسام يستحقر مع ألم الفؤاد)
وقالوا:
وفي فؤاد المحبِّ نار جوى أحرّ نار الجحيم أبردُها
ولا ينبغي أن يفهم
من هذه الأقوال أن هؤلاء يتكبرون على النعيم الحسي، أو يأنفون منه، فالطبيعة التي
طبع عليها الإنسان تأبى ذلك، ولكن ما يختلج في صدرهم من أشواق يشغلهم عن كل نعيم
حسي.
قد شبه الغزالي
أحوال هؤلاء بالعاشق المستهتر بمعشوقه المستوفي همه بالنظر إلى وجهه والفكر فيه،
فإنه في حال الاستغراق غافل عن نفسه لا يحس بما يصيبه في بدنه، لم يبق في قلبه
متسع لغير محبوبه حتى يلتفت إليه لا نفسه ولا غير نفسه.
بل إن مثل هذا نراه
في عالم الدنيا، ( فقد رئي من غلب عليه الوجد فغدا على النار
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 527