اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 528
وعلى أصول القصب
الجارحة للقدم وهو لا يحس به لفرط غلبة ما في قلبه، وترى الغضبان يستولي عليه
الغضب في القتال فتصيبه جراحات وهو لا يشعر بها في الحال لأنّ الغضب نار في
القلب.. واحتراق الفؤاد أشدّ من احتراق الأجساد، والأشد يبطل الإحساس بالأضعف كما
تراه فليس الهلاك من النار والسيف إلا من حيث إنه يفرّق بـين جزأين يرتبط أحدهما
بالآخر برابطة التأليف الممكن في الأجسام، فالذي يفرق بـين القلب وبـين محبوبه
الذي يرتبط به برابطة تأليف أشدّ إحكاماً من تأليف الأجسام فهو أشدّ إيلاماً) [1]
ولذلك كانت الرحمة الخاصة بهؤلاء أن ينالوا مناهم
بهذه الرؤية والمصاحبة والمعرفة التي هفت أنفسهم لها.
ورحمة هؤلاء ـ بهذا ـ رحمة لا يمكن تصورها، ولا الطمع
فيها لولا إخبار الله بها ووعده عباده الصالحين بتحقيقها.
* * *
قد يقال بعد هذا: فإذا رجع الأمر إلى أن رحمة كل شخص تتناسب
مع طبيعته، وطبيعة المقربين روحانية محضة، فهل يقتضي هذا أن يكون نعيمهم روحانيا
محضا، وإن كان كذلك فكيف القول فيما ورد في النصوص من النعيم الحسي الجزيل المعد
لهم؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم، أن كل ما يتمتع به
المقربون من نعيم ينسجم مع طبيعتهم.
وطبيعة المقربين الروحانيين في المفهوم الإسلامي وحسب
ما توضحه النصوص لا يخرج عن الطبيعة البشرية، ولذلك قال تعالى في أقرب خلقه
إليه:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ