اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 517
وهذا التعريف
بالوسيلة منه a بين قيمتها، ولكنه لم يبين حقيقتها لعدم إطاقة
العقول تحمل معناها.
ومن جهة ثانية فإن
للمقربين الذين هم عصارة عصارة البشر، وخلاصة خلاصة الخير من المقامات والأحوال ما
يجعل من كل واحد منهم عالما خاصا، فتكون له رحمته الخاصة به، والتي تنسجم مع
حقيقته وطبيعته.
ولهذا لا يستغرب أن
يخص رسول الله a من بين الخلق جميعا بالمقام المحمود، قال تعالى:﴿ وَمِنَ
اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ
مَقَاماً مَحْمُوداً﴾ (الاسراء:79)
وهو مقام تتيه
العقول والأرواح في معرفة كنهه.
فهو مقام منسجم مع
رسول الله a فكل شيء فيه a ينطق بالحمد،
فاسمه محمد وأحمد، وهو محمود عند الله ومحمود عند ملائكته ومحمود عند إخوانه من
المرسلين، وأمته الحمادون يحمدون الله على السراء والضراء، وصلاة أمته مفتتحة
بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، وبيده لواء الحمد يوم
القيامة، وعندما يسجد بين يدي ربه تعالى للشفاعة ويؤذن له فيها يحمد ربه بمحامد
يفتحها عليه حينئذ.
وحتى نبين قيمة هذا
المقام المتجلية في بعض مظاهره نذكر أن مشهدا واحدا من مشاهد ذلك المقام يطوق
أعناق الخلائق جميعا بالشعور بالمنة نحو رسول الله a.
ففي ذلك الموقف
الذي يغضب الله فيه غضبا لم يغضب قبله ولا بعده مثله، وفي ذلك الوقت الذي ينشغل
فيه الأنبياء بغضب الله عن سائر صفاته يقوم رسول الله a العارف بربه الحامد له فيشفع للخلائق جميعا بعد آلاف من سنين
الانتظار.
ولو أردنا أن نعرف
قيمة هذا الموقف مقارنة بما نعيشه نقول: إن كل ما مر به البشر من أحداث لا يساوي
لحظة واحدة من ذلك الموقف.
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 517