ثم رتب على هذا الخلق
أوامره وتشريعاته، قال تعالى بعد الآية السابقة:﴿ إِنْ تَكْفُرُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ
تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى
رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الزمر:7)
* * *
ونرى في القرآن الكريم
أن الله تعالى ـ لعلمه بخلقه وطبائعهم وما فطروا عليه من خير وشر ـ يرجع سر اختيار
الإنسان أو المصطفين من بني الإنسان إلى علمه بهم:
فلهذا قال تعالى
للملائكة ـ عليهم السلام ـ حينما بدا من منهم الاستغراب من خلق من يفسد فيها ويسفك
الدماء رد عليهم بأنه يعلم منهم ما لا يعلمون، قال تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا
مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾
(البقرة:30)
فالملائكة ـ عليهم السلام ـ نظروا إلى تسبيحم وتقديسهم
وغفلوا عن مراد الله من الخليفة، وهو كما يقتضي الفساد يقتضي الصلاح، ومراد الله
الصالحون من خلقه.
وهؤلاء الصفوة من خلقه
هم الذين اختارهم الله على علمه بهم، ولهذا رد الله تعالى على المشركين الذين
أنفوا من اتباع الحق لما رأوا غالب من اتبعه في أول بعثته a ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من
الأشراف إلا قليل، كما قال تعالى حاكيا عن قولهم:﴿ لَوْ كَانَ خَيْراً مَا
سَبَقُونَا إِلَيْه﴾ (الاحقاف: 11)، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا
أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً
﴾ (مريم:73)