وقد قال قبلها:﴿
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الملك:13)، فقد أرجع سر علمه
بذات الصدور إلى كونه الخالق لها.
وهكذا في قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ
وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ ﴾ (قّ:16)، فقد أرجعه علمه تعالى بالإنسان إلى كونه الخالق له، وهو أقرب إلي من حبل الوريد.
ولهذا يعلل تعالى مغفرته لذنوب العباد، وخاصة ما كان منها
من اللمم بعلمه بنشأتهم، وما جبلوا عليه، قال تعالى:﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ
فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ
اتَّقَى ﴾ (لنجم:32)
فاللمم المستثنى هو
صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال التي قد يغلب فيه الطبع، ولهذا قال ابن عباس :( ما
رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال النبي a:( إن اللّه تعالى كتب
على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان
النطق، والنَّفْس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)[1]
فاعتبر a هذا الطبع الذي يغلب على الإنسان ولوكان صالحا من الجبلة التي جبل
عليها، والتي يجتهد في توجيهها، ولكنها مع ذلك قد تغلبه، والله تعالى وعد بالمغفرة
عليها إذا ما لم يستسلم الإنسان لها، فتوقعه في الكبائر.
ولهذا يرد في القرآن
الكريم وفي السنة المطهرة الحديث عن جوانب خلق الإنسان لما لها من التأثير في
سلوكه وطبعه، قال تعالى مفصلا نعمه في خلق الإنسان وخلق جميع