فرد الله تعالى هذه
المقولات كما رد مقولة الملائكة إلى أن علمه بخلقه وبما جبلوا عليه هو الذي أهلهم
لذلك التخصيص، فقال تعالى ردا على قولهم:﴿ أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مِنْ بَيْنِنَا ﴾ (الأنعام: 53) بقوله تعالى:﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ﴾ (الأنعام: 53) أي
أن الله أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام
ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم، كما قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (العنكبوت:69)
وبمثل هذا رد الله
تعالى على استهزاء المشركين برسول الله a الناشئ
عن احتقارهم له والمتولد من عدم معرفتهم به، كما قال تعالى:﴿ وَإِذَا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ
آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ
﴾ (الانبياء:36)، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ
يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً﴾ (الفرقان:41)
وقال تعالى عن المماثلة
في ذلك بين قوم رسول الله a وقوم غيره من الأنبياء
ـ عليهم السلام ـ:﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ
بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ (الأنعام:10)
فالله تعالى رد على هذا
الاحتقار الممزوج بالحسد والكبر بقوله تعالى:﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ (الأنعام: 124)، أي أن الله أعلم حيث يضع
رسالته ومن يصلح لها من خلقه، فليس كل محل أهلا لتحمل الرسالة عنه وأدائها إلى
الخلق، كما أنه ليس كل محل أهلا لقبولها والتصديق بها.
ولهذا يقرن القرآن
الكريم بين التخصيص والعلم كما قال تعالى:﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَشْكُرُونَ ﴾، ثم عقب على ذلك بقوله تعالى:﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ
لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾