أما
الباقي، فحاله أكمل، قال ابن عطاء الله بعد ذكره لحال الفاني:( وأكمل منه عبد شرب
فازداد صحواً، وغاب فازداد حضوراً، فلا جمعه يحجبه عن فرقه ولا فرقه يحجبه عن
جمعه، ولا فناؤه عن بقائه ولا بقاؤه يصده عن فنائه، يعطي كل ذي قسط قسطه ويوفي كل
ذي حق حقه)
فهذا
العارف الباقي بربه قد جمع بين المزيتين، ( فباطنه مكمل بالحقيقة، وظاهره مجمل
بالشريعة، فيشكر الخلق والحق لا يغيب عن الحق في حال مخالطة الخلق، ليعطي كل ذي
قسط قسطه)
وقد
جمع ابن عطاء الله حال السالكين والواصلين في قوله:( من عرف الحق شهده في كل شيء، ومن فني به غاب عن كل شيء)
فالعارف
في حال البقاء يرى الخلق والحق، فيرى الحق تعالى ظاهراً في
كل الأشياء وقائماً بها، مع عدم غيبته عن نفسه وحسه، بخلاف الفاني عن نفسه وعن
الأكوان، فإنه لا يرى في الوجود ظاهراً إلا الله تعالى، ويغيب عن كل شيء سواه حتى
عن نفسه وحسه.
والعارفون
يشيرون بالبقاء، الذي هو العودة إلى الكون إلى استيقاظ الفاني من حال الفناء
والاصطلام.. إلى حال الصحو والتحقيق، وهي مراتب قد يمر ببعضها السالك، وقد
يتجاوزها إلى مقامات أرفع وأعلى من غير أن يمر عليها.
ويعبرون
بها عن بقاء الكون بالله، فالبقاء هو الدوام، واستمرار الوجود.