فالعارفون
جميعا متفقون على أن حالة الفناء التي يمر بها السالك ـ والتي تعبر عن حقيقة
عقدية، وذوق عرفاني ـ هي بداية المعرفة لا نهايتها، فإن الفناء هو مقدمة ما يسمونه
بالبقاء.
فالباقي
بالله، والذي يرى الأكون، ويصاحبها في الله أكمل من الذي فني عن الأكوان
وفي
ذلك يقول ابن عطاء الله يعبر عن الحالين:( صاحب
الحقيقة غاب عن الخلق بشهود الملك الحق، وفني عن الأسباب بشهود مسبب الأسباب، فهو
عبد مواجه بالحقيقة، ظاهر عليه سناها سالك للطريقة قد استولى على مداها، غير أنه
غريق الأنوار مطموس الآثار قد غلب سكره على صحوه وجمعه على فرقه وفناؤه على بقائه
وغيبته على حضوره)
فهذه
هي حال الفاني الذي شغله الله عن كل شيء، وهي حال شريفة، وصاحبها من الخواص، لكنه
وإن كان كاملاً بالنسبة لأهل الغفلة ناقص بالنسبة لخواص الخواص الذين جمعوا بين
الأمرين وهم أهل المعرفة.
فلذا
قال ابن عطاء الله معقبا على أوصاف الفاني:( غير أنه غريق الأنوار) قد غرق في بحار
التوحيد والأحدية ( مطموس الآثار) قد طمست بصيرته عن النظر إلى الآثار والعبيد، (
قد غلب سكره) وعدم إحساسه بالآثار على صحوه وهو إحساسه بها، وهو رؤية الحق وحده
على فرقه، وهو رؤية الحق والخلق، فهو في مقام الجمع لا في مقام الفرق.