ننطق
به من حروف، فجهازه الصوتي مختلف عن أجهزتنا، ولكن الجهاز الروحي واحد، وهو ما
يجعله يفهمنا، وما يجعلنا نفهمه.
أما
تحقيق هذا الكلام، فلا يمكن إلا بمعرفة سر الروح، أو إدراك كنه جهاز الروح، والروح
لا يمكن إدراكها بأجهزة الحس، وإلا كنا كبني إسرائيل الذين قالوا لموسى u:﴿ لَنْ نُؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ (البقرة: 55)
ومن
هذا المنطلق تتجاوب روح المؤمن مع نغمات الكون وتسبيحاته، فيسمعها وتسمعه، وينتشر
من سماعهما من الفرح والسرور ما يقصر عنه فرح المتنزهين في البساتين الناظرين
للقشور الغافلين عن الأرواح.
وقد
كان الإمام النورسي ـ بفعل ما مر به من عزلة إجبارية ـ فقيها بأسرار تسبيحات
الكائنات، وهو يدعونا إلى التجاوب معه في ذلك، يقول مقارنا بين النظرة الإيمانية
للكون، ونظرة الإلحاد والغفلة:( ارفع رأسك يا أخي، وألق نظرة في الكائنات،
وحاورها، أما كانت موحشة في طريقنا الاولى والآن تبتسم وتنشر البشر والسرور؟ ألا
ترى أن عيوننا قد أصبحت كالنحلة تطير الى كل جهة في بستان هذا الكون، وقد تفتحت
فيه الازهار في كل مكان، وتمنح الرحيق الطهور. ففي كل ناحية انس وسلوان، وفي كل
زاوية محبة ووئام.. فهي ترتشف تلك الهدايا الطيبة، وتقطّر شهد الشهادة، عسلاًِ على
عسل)[1]
حتى
ما نراه مما قد نتوهم قبحه، ونخاف من أذاه ليس إلا ترنيمة من ترانيم