اسم الکتاب : ابتسامة الأنين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 21
له متنفسا؟)
قال: فاسمع لما يصيح به الربانيون العازفون على أوتار
الحقيقة مخبرين عن الترياق الفعال لهذا الألم المكنون.
سمعت صوتا يقول: لقد أخبر بعض الصالحين عن القدرة العجيبة
التي يتحملها المنشغل بالله، لما سئل: هل يجد المحب ألم البلاء؟ قال: لا، قال: وإن
ضرب بالسيف قال: (نعم وإن ضرب بالسيف سبعين ضربة، ضربة على ضربة)
قال لي المعلم: أتدري ما سبب بطلان إحساس المحبين بالآلام؟
قلت: لقد مثل الغزالي ذلك بالرجل المحارب، فإنه في حال
غضبه أو في حال خوفه قد تصيبه الجراح، وهو لا يحس بألم ذلك لشغل قلبه.. ثم بين
علة هذه الحالة وقانونها الذي لا يختص بالمحبين لله، فقال: (وكل ذلك لأنّ القلب
إذا صار مستغرقاً بأمر من الأمور مستوفى به لم يدرك ما عداه، فكذلك العاشق المستغرق
الهم بمشاهدة معشوقه أو بحبه قد يصيبه ما كان يتألم به أو يغتمّ له لولا عشقه، ثم
لا يدرك غمه وألمه لفرط استيلاء الحب على قلبه. هذا إذا أصابه من غير حبـيبه فكيف
إذا أصابه من حبـيبه؟)[1]
وقد ذكر الغزالي الأمثلة الواقعية الكثيرة على هذا، فذكر
أن هناك من يغفل عن الخلق حتى لا يبصر من يحضر عنده وهو فاتح عينيه، ولا يسمع ما
يقال له مع أنه لا صمم به وقد يمرّ على ابنه مثلاً فلا يكلمه.
وذكر عن بعضهم يجري عليه ذلك أنه قال لمن عاتبه: إذا مررت
بـي فحركني.
وذكر عن بعضهم أنه قيل له: هل تعرف في زمانك هذا رجلاً قد
اشتغل بحاله عن الخلق؟ فقال: ما أعرف إلا غلاما سيدخل عليكم الساعة، فما كان إلا
سريعاً حتى دخل الغلام،