اسم الکتاب : ابتسامة الأنين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 22
فقال له: من أين جئت يا غلام؟ فقال من موضع كذا ـ وكان
طريقه على السوق ـ فقال: من لقيت في الطريق؟ فقال: ما رأيت أحداً.
وحكى عن بعضهم أنه قال: مررت بجماعة يترامون وواحد جالس
بعيداً منهم، فتقدّمت إليه فأردت أن أكلمه فقال: ذكر الله تعالى أشهى فقلت: أنت
وحدك؟ فقال: معي ربـي وملكاي فقلت: من سبق من هؤلاء؟ فقال: من غفر الله له، فقلت:
أين الطريق؟ فأشار نحو السماء وقام ومشى وقال: أكثر خلقك شاغل عنك.
ودخل بعض الصالحين على أخيه وهو معتكف فوجده ساكناً حسن
الاجتماع لا يتحرّك من ظاهره شيء فقال له: من أين أخذت هذه المراقبة والسكون؟
فقال: من سنور كانت لنا، فكانت إذا أرادت الصيد رابطت رأس الحجر لا تتحرّك لها
شعرة.
قال المعلم: فإذا كان الحب والعشق من أعظم الشواغل، وكان
ذلك في ألم يسير بسبب حب خفيف، فكيف يكون الأمر لو تصوّر في الألم العظيم بالحب
العظيم؟
قلت: لقد بين بعض الصالحين كيف يتمكن المحب من قهر كل
ألوان البلاء، فقال يحكي عن نفسه: مررت برجل وقد ضرب ألف سوط في شرقية بغداد ولم
يتكلم ثم حمل إلى الحبس، فتبعته فقلت له: لم ضربت؟ فقال: لأني عاشق، فقلت له: ولم
سكت؟ قال: (لأنّ معشوقي كان بحذائي ينظر إليَّ، فقلت: فلو نظرت إلى المعشوق الأكبر
قال: فزعق زعقة خرّ ميتاً.
قال: أتدري كيف يرى الربانيون المنشغل بذاته عن ربه، أو
الذين يعبدون الله على حرف، فلم يعبروا من عبادته إلى معرفته، ولم يخرجوا من
أنفسهم إليه.
قلت: كيف يرونه؟
قال: يرونهم قاصرين محاطين بأنواع الشوائب، وقد قيل لبعضهم:
هاهنا رجل قد تعبد خمسين سنة، فقصده فقال له: يا حبـيب أخبرني عنك هل قنعت به؟
قال: لا، قال: أنست به؟
اسم الکتاب : ابتسامة الأنين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 22