اسم الکتاب : مفاتيح المدائن المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 33
ذلك أنه نزل للراحة في
الطريق، فدخل خربة يقضي فيها حاجته، فوجد فيها طائراً أعمى كسيحاً لا يقدر على
حركة، فرَقَّ لحاله، وقال: من أين يأكل هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه الخربة؟
ولم يلبث أن جاء طائر آخر يحمل إليه الطعام ويمده به، حتى يأكل ويشبع، وظل يراقبه
عدة أيام وهو يفعل ذلك، فقال شقيق: إن الذي رزق هذا الطائر الأعمى الكسيح في هذه
الخربة لقادر على أن يرزقني! وقرر العودة.. أتدري ما قال له إبراهيم بن أدهم؟
قلت: ما قال؟
قال: قال له:(سبحان الله يا
شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره، ولا
تكون أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله من العمي
والمقعدين؟! أما علمت أن النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم قال:(اليد العليا خير من اليد السفلى)؟
فقام إليه شقيق وقبَّل يده
وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق!
قال: فأيهما أرفع همة من
تشبه بصفة الله (الرزاق) أم من تشبه بصفة العبد المرزوق؟
قلت: صحيح هذا .. ولكن ألا
تشغل المكاسب عن السلوك إلى الله؟
قال: السلوك الصحيح لا يكون
إلا في الواقع، فلا يمكن أن تأخذ الناس إلى الفلوات لتربيهم، وقد كان بعض المشايخ
المربين يقول:(ما أجمل أن يجعل الفلاح فأسه مِسبحته، ويجعل النجار منشاره مِسبحته،
ويجعل الحداد مطرقته مِسبحته،
اسم الکتاب : مفاتيح المدائن المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 33