اسم الکتاب : مفاتيح المدائن المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 300
الرعاية:
تقدمنا إلى الباب الرابع من أبواب
الخدمات، فرأيت عمالا بثياب مهنهم، منشغلون انشغالا كليا، فلا تطرف لهم عين، ولا
ينشغل منهم عضو بغير ما هم فيه، فقلت في نفسي: ما أصدق هؤلاء العمال، وما أعظم
إخلاصهم، ليتني قدرت على حملهم إلى بلادي .. إذن لنجحت في كل مشروع أقوم به.
وبينما أنا كذلك إذ رأيت شخصا لا
يكاد يختلف عنهم، ولكنه مع ذلك يبدو أنه صاحب المصنع، فقد كان يتفقدهم، ولكنه لا
يتفقد فقط إتقانهم، بل يتفقد حاجاتهم، ويسألهم عن أهلهم، ويعطي كل واحد منهم ما
يحتاجه، وهم يبتسمون له، ويبتسم لهم، فقلت: لا غرابة أن يصدر منهم كل ذلك الإخلاص،
ورئيسهم يتعامل معهم بهذا الأسلوب.
قال: نعم، فهذا باب الرعاية، وهو
الباب الذي يخدم أصحاب الخدمات .. فلا يمكن للخدمات أن تتم، والقائمون عليها
ضائعون.
قلت: أتقصد حقوق العمال؟
قال: الرعاية أعظم من الحقوق ..
الحقوق فيها نفحة من نفحات الصراع .. أما الرعاية ففيها نفحة من نفحات الأبوة
والأخوة ..
قلت: فما الفرق بين الرعاية
والحقوق؟
قال: من وجوه شتى، أقلها أنكم لا
تعتبرون الابتسامة حقا من الحقوق.
ضحكت، وقلت: الابتسامة .. وما
جدواها .. لا هي تطبخ، فتؤكل، ولا هي
اسم الکتاب : مفاتيح المدائن المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 300