اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 59
قدرها فوق قدر غيرها، وأن غيرها
يبنغي أن يكونوا خاضعين لها.. فإن لم يخضعوا لها تتألم لذلك، وتتحين أي فرصة لتفرض
عليهم الخضوع.
وهي تنشأ من ذلك العجب الذي تمتلئ
به النفس الأمارة، فتعتقد أنها الأفضل والأكمل، وأن رأيها الأصوب والأحكم.. وأن
الخطأ قد يصيب الجميع لكنه لا يصيبها.
وهو لذلك أخطر المثالب، وأعظمها
جرما، لأن صاحبها لا يكتفي بأن يفرض خضوعه على غيره من البشر ممن هم في مستواه،
وإنما قد يشتد داؤه، فيفرضه على الله نفسه، فيعتقد أنه ند لله، أو أن الله ينبغي
أن ينزل عند رغباته.. فإن لم ينزل راح يتحداه، ويكفر به، ويمارس كل المعاصي التي
يتصور أنه يغيضه بها.
وقد يظهر هذا النوع من الكبر على
الله في الكبر على رسله وأوليائه والصالحين من عباده؛ فيمارس المتكبر عليهم كل
ألوان العتو والجبروت ليتحدى الله بذلك.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا
الصنف من المستكبرين، وهم الذين بلغ بهم الداء حده الأقصى، وأخبر أنهم أبعد الناس
عن رضوان الله وجنته.. وهل يمكن أن يرضى الله عمن يتحداه؟.. وهل يمكن أن يتيح
الجنان لمن لم يعرف قدره، وعبوديته؟.. وهل يمكن أن يستقر بالجنة حال، وفيها مستكبر
واحد؟
وقد ضرب الله تعالى على ذلك
الكثير من الأمثلة ليعتبر بها المعتبرون، ومنها ذلك الذي أدرك بذوقه اللغوي إعجاز
القرآن الكريم، واستحالة أن يأتي به رسول الله a، وبعد أن فكر وقدر، وكاد يسلم لله، قام كبره ليحول بينه وبين ذلك،
قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا
سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: 23 -
25]
وأنت تلاحظ ـ أيها المريد الصادق
ـ كيف ربط الله تعالى بين الكبر وذلك القول، واعتبره ضروريا ومباشرا.. فبمجرد أن
حضر الكبر غطى على العقل، وأصبح صاحبه لا
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 59