اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 60
يرى الأشياء بصورتها الحقيقية..
ولهذا تحول الإعجاز القرآني في ذهنه إلى مجرد سحر.
والسبب في ذلك هو أنه بعد أن أعمل
عقله، وأدرك إعجاز القرآن راح يصرخ في باطنه في ربه: لم اخترت محمدا.. ولم
تخترني.. ثم راح يتحداه بالكفر به وبنبيه.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا
المعنى عند حديثه عن هذا الرجل نفسه، وموقفه من الإيمان، في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا
لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾
[الزخرف: 31]، فقد كان ذلك الرجل أحدهما.. ولذلك لم يرض قسمة الله تعالى، ولم يسلم
لها، لأنه اعتبر الله غير محق في اختياره، كما رد الله تعالى عليهم ذلك بقوله: ﴿أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32]
ونفس الموقف حصل لإبليس عندما
استكبر عن السجود لآدم عليه السلام، فقد كان استكباره في الحقيقة على الله، وكأنه
أراد أن يغيظ الله لعدم اختياره له ليكون المسجود له، فلهذا رفض السجود، لأنه صنف
نفسه من العالين من غير أن ينتظر تصنيف الله له بذلك، قال تعالى: ﴿قَالَ
يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ
أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: 75]، حينها ازداد كبر إبليس عنفوانا،
فقال ـ غافلا أنه يخاطب ربه ـ: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ
نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 76]
ولهذا كان الكبر علامة على
استحواذ النفس الأمارة على الإنسان، بحيث تغطي كل مداركه العقلية؛ فلا يرى شيئا
إلا نفسه.. حتى ربه يعزله ويحجبه إذا شعر أنه يحول بينه وبين رؤية نفسه، كما أشار
إلى ذلك الإمام الصادق عندما قال: (ما من عبد إلّا وفي رأسه حكمة، وملك يمسكها
فإذا تكبّر قال له: اتّضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وهو أصغر الناس
في أعين الناس، فإذا تواضع رفعها الله ثمّ قال له: انتعش نعشك الله، فلا يزال
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 60