اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 442
خذلان
الحق
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني
عن تفسير ما ذكرته لك في بعض رسائلي السابقة مما سميته [خذلان الحق]، ومظاهره،
ومنابعه، وكيفية تطهير أرض النفس الأمارة منه.
وجوابا لسؤالك الوجيه أذكر لك أن
الموقف من الحق وأهله امتحان من الامتحانات الكبرى التي يمتحن الله بها إيمان
عباده.. ذلك أنه لا يكفي أن يعرف المؤمن الحق، أو يذعن له، أو يسلم لأهله.. وإنما
عليه أيضا أن ينصره، ويقف في صفه، ويكثر سواد أصحابه، لا سواد أعدائه.. ولا يقبل
منه صدق الإيمان إلا ذلك.
ألا ترى ـ أيها المريد الصادق ـ
ما فعله السحرة عندما تغلغل الإيمان إلى قلوبهم؛ فقد كان في إمكانهم أن يؤجلوا
إعلان إيمانهم، ولا يبثوه في تلك اللحظات الحرجة، حرصا على أنفسهم إلى أن تحين
الفرصة لهم، للقاء موسى عليه السلام، ليعلنوا إيمانهم حينها، أو يكتفوا بإيمانهم
في قلوبهم؛ فالله تعالى يعلم السر وأخفى..
لكنهم لم يفعلوا.. وإنما راحوا
يقفون ذلك الموقف البطولي الذي أشاد به القرآن الكريم، واعتبرهم لأجله نماذج صالحة
للمؤمنين.. ولولا لم يفعلوا ذلك ما أشاد بهم القرآن الكريم، ولما ذكرهم.. لأن قيمة
إيمانهم لم تكن في إذعانهم وحدهم للحق، وإنما في ذلك الإعلان الذي كان له تأثيره
في كل من سمعه.
وهكذا أثنى القرآن الكريم على
الذي أعلن إيمانه في الوقت الذي اقتضى منه الحق ذلك، فلم يخذل الحق، وإنما نصره
أعظم نصرة، وذلك ما يثبت أن كتمانه للإيمان لم يكن لأجل حفظ نفسه، وإنما لأجل حفظ
الحق الذي يحمله..
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 442