اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 333
وإياك ـ أيها
المريد الصادق ـ أن تقع فيما يقع فيه الكثير من قومك من استحلال الكذب لإضحاك
الناس، فقد ورد في الحديث قوله a: (ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل
له)([511])
وإياك أن تفهم من هذا الحديث أن
تكون متزمتا متشددا منقبضا، لا تضحك، ولا تُضحك، فالحديث لا يحرم ذلك، وإنما يحرم
الكذب، حتى لا يحول الشيطان الكذب الهازل إلى كذب جاد.. وكم ترى في الواقع من ناس
يُضحكون غيرهم، ويملؤون بنفس تلك الأحاديث قلوب آخرين ألما وحسرة.
ولهذا كان رسول الله a يمزح مع أصحابه تأليفا
لقلوبهم، ولكن لا يقول إلا حقا، وقد قال في ذلك: (إني لأمزح، ولا أقول إلا حقا) ([512])
ومما رواه الرواة عنه في ذلك، ما
روي أن عجوزا قالت له: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها a: (يا أم فلان، إنّ الجنة لا يدخلها عجوز!)، فبكت المرأة، لأنها
أخذت الكلام على ظاهره، فأفهمها a أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزاً، بل شابة حسناء، وتلا عليها
قول الله تعالى في نساء الجنة: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرباً أتراباً﴾ (الواقعة: 35 ـ 37)([513])
تصور ـ أيها المريد الصادق ـ
مقدار فرح تلك العجوز بهذه المزحة الجميلة المعلمة الممتلئة أدبا، فقد علمها a أثناء مزاحها علما، وبشرها
بشارة، وكل ذلك في قالب مضحك مله.