ثم بين الحضور الدائم لله، حتى
يراقب المفتري على الله نفسه، فقال: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا
تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا
عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ
مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ
وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس: 61]
وقد ورد في النصوص المقدسة ما
يبين أن الكذب ليس سمة أهل الكتاب ولا المشركين ولا محرفي الأديان فقط، وإنما هو
الصفة الأساسية الغالبة للمنافقين، وهو يعني أن الكذب من منابع النفاق، وأن من
أدمن عليه قد يصبح منافقا من حيث لا يشعر.
ولهذا أخبر الله تعالى أن من ثمار
الوعود الكاذبة إنبات شجرة النفاق في القلب، قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ
عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ
مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ
وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [التوبة: 75، 76]، ثم بين عاقبة ذلك،
فقال: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ
بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾
[التوبة: 77]
وهكذا أخبر أن ذلك الكذب هو الذي
أورثهم النفاق وما ينتج عنه من العذاب الشديد، قال تعالى مخبرا عن المنافقين
وصفاتهم وأفعالهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة: 8 - 10]
وتذكر ـ أيها المريد الصادق ـ عند
ذكرك لهذا تلك العقوبات الشديدة التي ارتبطت بالمنافقين، والذين لم يكونوا ليصبحوا
كذلك لولا تساهلهم مع الكذب، ومنها هذه العقوبة
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 328