وقبل هذه الآيات الكريمة أشار
الله تعالى إلى أن تكذيب هؤلاء للحقائق ليس ناشئا عن ضعف أدلتها، وإنما لما أدمت
عليه نفوسهم من الكذب؛ فصاروا يتصورون كل الخلق مثلهم، حتى أنبياء الله، قال
تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا
يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 20]
وفي آية أخرى ذكر الله تعالى أن
الذين يفترون على الله الكذب، قد يتفاقم وضعهم، إلى أن يدعو تنزل وحي الله عليهم،
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ
قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ
مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 93]، ثم بين عاقبة هؤلاء لينفر
النفوس منها، فقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ
الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: 93]
وهي تبين أن المنبع الذي نبع منه
هذا النوع من الكذب هو الكبرياء، ذلك أن المستكبر لا يستطيع أن يسلم لغيره، ولهذا
يلجأ إلى الكذب والافتراء ليشكل دينا على مقاسه ومزاجه.
ولهذا؛ فإن الكاذب على الله من
أخطر المجرمين، لأنه لا يقتل أجساد الناس، وإنما يقتل أرواحهم، ويسمم منابع
الهداية التي أنزلها الله عليهم، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: 17]
لا تحسب ـ أيها المريد الصادق ـ
أن هذه الآيات خاصة بأولئك اليهود، أو أولئك المشركين، وأن هذه الأمة بمعزل عنها..
ليس الأمر كذلك.. فالتحريف الذي وقع في تلك الأديان وقع في هذه الأمة.. ولولا أن
الله تعالى تكفل بحفظ كتابه لمسه التحريف والتزوير
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 326