اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 305
الخذاع و الممکر
كتبت إلي ـ
أيها المريد الصادق ـ تسألني
عن الخداع
والمكر، وما ارتبط بهما من الكيد والتآمر، والدوافع التي تدفع إليها، والثمار التي
تثمرها، وكيفية معالجة النفس الأمارة منها، وسر ما ورد من النصوص المقدسة في وصف بعض
أفعال الله تعالى بها مع تنزهه وتنزه أفعاله عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك
أن الخداع والمكر، ومثلهما الكيد والتآمر، وإن اشتهرت دلالاتها في الرذائل
والمثالب، إلا أنها في أصل اللغة لا يراد بها ذلك([448])..
وإنما يراد بها كل الطرق الخفية التي توصل إلى تحقيق الأغراض بسهولة ويسر، للحاجة
التي تستدعي ذلك.
ويشير إلى هذا قوله تعالى عن يوسف
عليه السلام: ﴿فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ
اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ
لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ
دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]،
فقد أخبر الله تعالى أنه أتاح ليوسف عليه السلام أن يصطنع تلك الحيلة حتى يبقي
أخاه معه، ولو أنه لم يقم بها لما سمح له إخوته بالبقاء.
وبما أن في إبقاء يوسف عليه
السلام مصلحة لأخيه، بل لإخوانه جميعا، فقد كان
[448] مما يدل على
هذا المعنى قول الرَّاغب الأصفهاني عند حديثه عن المكر، فقد عرفه بقوله: (صرف
الغير عمَّا يقصده بِحِيلة، وذلك ضربان:
1
- مكر مَحمود: وذلك أن يتحرَّى بذلك فعلاً جميلاً، وعلى ذلك قال: ﴿
وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54]
2
- مكرٌ مذموم: وهو أن يُتحرَّى به فعل قبيح، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ
الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]
وقال
في الأمرين: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا ﴾ [النمل:
50][ المفردات في غريب القرآن،473]
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 305