responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 187

ومجالستهم زيادة، إنّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، وإنّ الكافر ليرى ذنبه كأنّه ذباب مرّ على أنفه، يا أبا ذر إنّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه ممثلة، الإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبد شراً أنساه ذنوبه، يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت، يا أبا ذر إنّ نفس المؤمن أشدّ ارتكاضاً من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه) ([227])

ولو أنك ـ أيها المريد الصادق ـ تأملت في كلام العلماء في الكبائر والصغائر، وخلافهم الشديد في أصنافهما([228])، لامتلأت بالمخافة، وأخذت بالاحتياط؛ فليس هناك ذنب من


[227] بحار الأنوار، ج 74، ص 77.

[228] من الأمثلة على الخلاف الوارد في عد الكبائر، ما نقله الغزالي عن أبي طالب المكّي، قال: الكبائر سبع عشرة جمعتها من جملة الأخبار، وجملة ما اجتمع من أقوال الصحابة أربع في القلب: وهو الشرك باللّه تعالى، والإصرار على معصيته، والقنوط من رحمته، والأمن من مكره. وأربع في اللّسان: وهي شهادة الزّور، وقذف المحصن، واليمين الغموس- وهي الّتي يحقّ بها باطلا أو يبطل بها حقّا، وقيل: هي الّتي يقتطع بها مال امرئ مسلم باطلا ولو سواك من أراك، وسمّيت غموسا لأنّها تغمس صاحبها في النار-، والسحر وهو كلّ كلام يغيّر الإنسان وسائر الأجسام عن موضوعات الخلقة. وثلاث في البطن وهي شرب الخمر والمسكر من كلّ شراب، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الرّبا وهو يعلم. واثنتان في الفرج وهما الزنى واللّواط. واثنتان في اليدين وهو القتل والسرقة. وواحدة في الرّجلين وهو الفرار من الزّحف، وواحدة في جميع الجسد وهي عقوق الوالدين، قال: وجملة عقوقهما أن يقسما عليه في حقّ فلا يبرّ قسمهما، وأن يسألاه حاجة فلا يعطيهما، وأن يسبّاه فيضربهما، ويجوعان فلا يطعمهما)

وقد علق الغزالي على هذا بقوله: (هذا ما قاله وهو قريب، ولكن ليس يحصل به تمام الشفاء، إذ يمكن الزيادة عليه والنقصان منه؛ فإنّه جعل أكل الرّبا ومال اليتيم من الكبائر وهي جناية على الأموال، ولم يذكر في كبائر النفوس إلّا القتل، فأمّا فق‌ء العينين وقطع اليدين وغير ذلك من تعذيب المسلمين بالضرب وأنواع العذاب فلم يتعرّض له، وضرب اليتيم وتعذيبه وقطع أطرافه لا شكّ في أنّه أكبر من أكل ماله) [انظر: إحياء علوم الدين (4/ 17)]

أما ما روي عن الإمام الصادق، من حصر الكبائر فيما ورد في القرآن الكريم من ذكر العذاب المرتبط بأصحابه، فهو يشير إلى أصول الكبائر، أو ما يمكن أن يطلق عليه [أكبر الكبائر]، لأن هناك روايات أخرى كثيرة تدل على غير ما ذكر في الحديث.

ونص الحديث هو أن عمرو بن عبيد دخل على الإمام الصادق، فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ والْفَواحِشَ﴾، ثمّ أمسك فقال له الإمام: ما أسكتك؟ قال: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك باللّه يقول اللّه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾، وبعده الإياس من روح اللّه لأنّ اللّه يقول: ﴿إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ﴾، ثمّ الأمن لمكر اللّه إنّ اللّه يقول: ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ﴾، ومنها عقوق الوالدين لأنّ اللّه جعل العاقّ جبّارا شقيّا، وقتل النفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحق لأنّ اللّه يقول: ﴿فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها﴾، وقذف المحصنة لأنّ اللّه يقول: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾، وأكل مال اليتيم لأنّ اللّه يقول: ﴿إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾، والفرار من الزّحف لأنّ اللّه يقول: ﴿وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‌ فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ومَأْواهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، وأكل الرّبا لأنّ اللّه يقول: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ﴾، والسحر لأنّ اللّه يقول:﴿وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾، والزّنى، لأنّ اللّه يقول: ﴿وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً﴾، واليمين الغموس الفاجرة، لأنّ اللّه يقول: ﴿الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ والغلول لأنّ اللّه يقول: ﴿وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾، ومنع الزكاة المفروضة لأنّ اللّه يقول: ﴿فَتُكْوى‌ بِها جِباهُهُمْ وجُنُوبُهُمْ وظُهُورُهُمْ﴾ وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأنّ اللّه يقول: ﴿وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾وشرب الخمر لأنّ اللّه نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان. وترك الصلاة متعمّدا أو شيئا ممّا فرض اللّه لأنّ رسول اللّه  قال: (من ترك الصلاة متعمّدا فقد برئ من ذمّة اللّه وذمّة رسوله)، ونقض العهد وقطيعة الرّحم لأنّ اللّه يقول: ﴿أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: (هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم) [الكافي، 2/285]

اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 187
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست