اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 155
ومثل ذلك ما روي أنه a مر برجل،
وهو يهادى بين ابنيه، فسأل عنه، فقالوا: نذر أن يمشي، فقال a: (إن
الله عن تعذيب هذا نفسه لغني)، ثم أمره أن يركب([175]).
ومثل ذلك ما روي أن بعض أصحاب رسول الله a شكا له حاله، فقال: (يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار
والجنة كأنا رأي العين؛ فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات،
ونسينا كثيرا)، فقال رسول الله a: (والذي
نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم
وفي طرقكم، لكن ساعة وساعة) ([176])
وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تبين أن تهذيب النفس
وتطهيرها لا علاقة له بتلك النعم التي أنعم الله بها علينا، وجعلنا نلتذ بها،
ونفرح بما أهداه إلينا منها.
وكيف يكون ذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾
[الأعراف: 32]
ثم عقب عليها ببيان المحرمات الحقيقية، فقال: ﴿ قُلْ
إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
[الأعراف: 33]
إذا عرفت هذا ـ أيها
المريد الصادق ـ فاعلم أن الآيتين اللتين ذكرتهما، واللتين تعتبران اتباع الشهوات
مثلبا من مثالب النفس الأمارة، لا تفهمان إلا في ضوء ما سبق من الآيات الكريمة،
فالقرآن الكريم يفسر بعضه بعضا، ولا تلغي آية منه أخرى، وكيف يكون ذلك،