اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 154
أو كان من أولئك الذين خلطوا دين الله بدين الرهبان؛ فتأثروا
بهم، وسلكوا سلوكهم، وتركوا الدين الإلهي الأصيل الذي مثله رسول الله a، فصار دينهم مزيجا بين شريعة الله وشريعة الأهواء.
وقد ورد في الحديث أن مثل هذا النوع من الفهم ظهر في عهد
النبوة؛ فتصدى له رسول الله a بشدة،
وبين غرابته على الدين، فقد روي أن ثلاثة من الناس جاءوا إلى بيت النبي a يسألون عن عبادته؛ فلما أخبروا كأنهم تقالوها، وقالوا: (أين نحن
من النبي a وقد غفر له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر)، ثم قال أحدهم: (أما أنا فأصلي الليل أبدا)، وقال الآخر: (وأنا أصوم
الدهر أبدا، ولا أفطر)، وقال الآخر: (وأنا أعتزل النساء؛ فلا أتزوج أبدا)، فلما
سمع رسول الله a خبرهم
قال لهم: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني
أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) ([173])
هل سمعت ـ أيها المريد الصادق ـ كلمة أشد من هذه الكلمة،
وتحذيرا أعظم من هذا التحذير، فرسول الله a لم يعتبر
ذلك التصرف مشينا أو تشددا فقط، وإنما اعتبره مخالفا لهديه، وأن الذي يفعل ذلك لا
علاقة له برسول الله a.. ولا
بالحنيفية السمحة التي جاء بها.
ومثل ذلك ما روي أنه بينما كان النبي a يخطب إذا
هو برجل قائم فسأل عنه، فقالوا: (أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا
يستظل، ولا يتكلم، ويصوم)، فقال النبي a: (مروه،
فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه) ([174])