اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 140
ورفعته رفعة له، قال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 4]، وهكذا قال عن الأنبياء والصالحين: ﴿وَوَهَبْنَا
لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾
[مريم: 50]
لكني مع ذلك ـ أيها المريد الصادق
ـ وحرصا عليك أنصحك ـ ما دمت في بداية سلوكك ـ أن تبتعد عن كل ما يمكن أن يأسر
قلبك، أو يصرفك عن الطريق الذي تريد السير فيه؛ ذلك أن الشيطان قد يزين لك ذلك
الظهور الذي أتاك من حيث لا تحتسب، فيقصم به ظهرك، ويصرفك به عن ربك.
وقد قال بعض الحكماء في ذلك محذرا:
(ادفن وجودك في أرض الخمول، فما نبت مما لم يدفن لن يتم نتاجه)
وإياك ـ أيها المريد الصادق ـ أن
تقع فيما وقع فيه بعضهم عندما راح يتخلص من الجاه بمعصيته لربه، كما روي عنه أنه قال:
(نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح؛ فتشتت علي قلبي، فدخلت الحمام، وعدلت إلى ثياب
فاخرة فسرقتها، ولبستها، ثم لبست مرقعتي فوقها، وخرجت وجعلت أمشي قليلا قليلا؛
فلحقوني، فنزعوا مرقعتي، وأخذوا الثياب وصفعوني وأوجعوني ضربا؛ فصرت بعد ذلك أعرف
بلص الحمام؛ فسكنت نفسي) ([157])
فإن ذلك ـ أيها المريد الصادق ـ
مخالف للشريعة، ونحن لم نطالب بتهذيب نفوسنا بما نبتدعه من بدع لأنفسنا، وإنما
طولبنا بأن نهذبها ونزكيها بما علمنا ربنا.
ثم إننا ـ أيها المريد الصادق ـ
لم نطالب بالتخلص من الجاه كلية، ففرق بين أن يستعبدنا الجاه، وبين أن يكون لنا
بعض الجاه الذي نوفر به الأمان والاستقرار لأنفسنا.. فالجاه مثل المال، لا يمكن
التخلص كلية منه.