اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 139
من قلبي أني لهذا كاره لخشيت
المقت من الله)
وعوتب بعضهم في طول قميصه، فقال: (إن
الشهرة فيما مضى كانت في طوله، وهي اليوم في تشميره)
وقال آخر: (كانوا يكرهون الشهرتين
الثياب الجيّدة والثياب الرديّة إذ الأبصار تمتدّ إليهما جميعا)
إذا علمت هذا ـ أيها المريد
الصادق ـ فإياك أن يتطرق إلى قلبك سوء الظن بالأنبياء والصالحين الذين ملأ ذكرهم
الآفاق، وامتلأت القلوب بمحبتهم، وكان لهم من الجاه ما لم يظفر به أحد في الدنيا،
ولا في الآخرة؛ فالذي تولى ذلك عنهم هو الله، ولم يكن بجهدهم، ولا برغبتهم، وإنما
هو جزاء إلهي على عبوديتهم لله، وإرضائهم له ولو بسخط الناس..
وفرق كبير بين أن تسعى لنيل
الجاه، وتضحي بدينك من أجله، وبين أن يأتيك الجاه من غير أن تقصده، أو تطلبه، أو
تحن إليه.
ولذلك كان الكامل من السالكين ليس
من هرب من الجاه، أو الظهور، وإنما من ترك الأمر لربه، فهو عبد ربه إن شاء أظهره
أو شاء أخفاه.. وقد قال بعض الحكماء في ذلك: (من أراد الظهور فهو عبد الظهور، ومن
أراد الخفاء فهو عبد الخفاء، أما من أراد الله وهو عبدٌ له، فهو الذي إذا شاء
أظهره وإذا شاء أخفاه، لا يختار لنفسه ظهورا ولا خفاءً)
بل إن من الصالحين من يسأل لنفسه
الظهور، لا لذاته، وإنما لكونه ممثلا للحق، ولا يمكن أن ينتشر الحق ويظهر من دون
أن يظهر ذلك الذي مثله، كما قال الله تعالى حاكيا دعاء إبراهيم عليه السلام بأن
يكسبه الله جاها وسمعة، فقال: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي
الْآخِرِينَ﴾ [الشعراء: 84]
وهكذا منّ الله تعالى على رسوله a برفعة الذكر، وهي دليل على
رفعة الدين، فرسول الله a
ممثل للدين،
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 139