اسم الکتاب : أبو هريرة وأحاديثه في الميزان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 17
وهي كذلك تصطدم
مع تلك الروايات الكثيرة التي تصور التضامن الشديد بين المسلمين، ومن بينها هذه
الصورة العظيمة التي ذكرها أبو هريرة نفسه، وهي أنّ رجلا أتى النّبيّ a فبعث
إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله a:
(من يضمّ- أو يضيف- هذا؟) فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال:
أكرمي ضيف رسول الله a، فقالت: ما عندنا إلّا
قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء،
فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته
فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله a، فقال: (ضحك الله اللّيلة- أو عجب من فعالكما-
فأنزل الله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9])[1]
ومنها هذه
الصورة التي رواها أنس بن مالك، فقال: (لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على
الأنصار في دورهم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة
في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد أشركونا في المهنأ، وكفونا المؤنة، ولقد
خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كله، فقال رسول الله a:
(كلا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم) [2]
ومنها تلك
الصورة العظيمة التي رسمت مجتمع الأنصار رسما جميلا حقيقا بذلك الثناء العظيم الذي
ذكره الله تعالى، وهي ما روي أن عبد الرحمن بن عوف لما قدم المدينة آخى النّبيّ a بينه
وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ، فعرض عليه أن يناصفه ماله،