وكان
المبارك الذي جعله الله مفتاحا لحل هذا السر رجل من الصالحين.. رأيته منتحيا ناحية
عن الناس، وقد تعجبت إذ رأيت الكل مسرورا بعد أن نزلت الهزيمة في ذلك اليوم
بأعدائهم.. بينما رأيت الألم يعتصره اعتصارا، فاقتربت منه، وحاولت أن أستدرجه
لأعرف سره.. قلت له: ما بالك.. ألم تسمع بالأخبار السعيدة التي جلبها لنا اليوم
المبشرون؟
قال
ببرودة: تقصد تلك الدماء التي سفكت.. وتلك الأراضي التي اغتصبت.. وتلك الديار التي
دمرت..
قلت:
أجل.. ولكنها ديار الأعداء، لا ديارنا.
قال:
وأي فرق بين ديارنا وديارهم.. وبلادنا وبلادهم.. وأرضنا وأرضهم..؟
قلت:
فرق عظيم.. نحن أبناء وطن واحد.. وهم أعداء لنا.
قال:
هب أنك لم تكن ابنا لهذا الوطن، بل كنت ابنا لذلك الذي تفرح الآن بما حصل له.. هل
كانت هذه الأفراح ستزور قبلك، أم تلك الابتسامة ستزور شفتيك.
لم
أجد ما أقول له، فقال لي، والحزن قد طغا على وجهه: كل ما تراه ليس سوى مظاهر
لأعداء أخطر وأعظم.. انشغل الخلق بهم، وتركوا الأعداء الحقيقيين الذين لولاهم ما
قامت للحروب سوق.
قلت:
فمن هم؟
قال:
هم أربعة أعداء.. لم يقم سوق العداوة في الدنيا إلا بسببهم.. ولو أن البشر جميعا
تخلوا عن عداواتهم المجازية وانصرفوا إليهم لوجدوا في ذلك الشغل عن ذلك الصراع
الذي يطحنهم طحنا.
فرحت
إذ سمعته يذكر العداوة المجازية التي ذكرها لي معلم السلام.. فلذلك رحت أقول له:
أربعة أعداء؟.. من هؤلاء؟.. دلني عليهم عساني أنشغل بهم.