قلت:
فحدثني عن السر الأول من أسرار الحياة.. ذلك الذي سماه معلم السلام (العداوة)
قال:
لقد شاء الله أن أكتشف أسرار العداوة وعلاقتها بالحياة في بلدة كانت ممتلئة بنيران
العدوان..
عندما
نزلت فيها كانت رحا حرب عنيفة تدور بينها وبين جارتها.. وكانت الحرب تأكل الأخضر
واليابس.. وكان البلدان كلاهما يمسيان ويصبحان على أنباء الدماء المسفوكة والأرض
المحروقة.. والجو الممتلئ برائحة الجثث.
كان
البلدان ينطقان لسانا واحدا.. ويدينان دينا واحدا.. ولشعبيهما أعراق واحدة وألوان
واحدة وتقاليد واحدة.. ولكن مع ذلك اندلعت بينهما حرب ضروس لم تزدها الأيام إلا
اشتدادا..
كنت
أمر على المقاهي، فأرى الأحقاد والضغائن.. كانت كل أحاديث المقاهي عد سعيد لقتلى
الأعداء.. أو عد حزين لقتلاهم..
وكان
الشعراء لا ينطقون إلا بهجاء الأعداء وسبهم والسخرية منهم..
وكان
الحكماء.. أو من يسميهم الناس حكماء.. لا هم لهم إلا تعديد مثالب الأعداء وحماقتهم
وغبائهم وغفلتهم.
وكان
الساسة الذين تركوا ألبستهم المدنية.. ولبسوا بدلها ألبستهم العسكرية.. لا يتكلمون
إلا بالخطب النارية.. وكانوا بين الحين والحين يطلقون الرصاص في الهواء.. ويطلقون
معه من التهديدات المجلجلة ما لا يقل عن أصوات الرصاص.
في
تلك البلاد الممتلئة بالأحقاد عرفت سر العداوة من أسرار الحياة..