تشاؤما..
كان لا يرى الأشياء إلا بمنظار أسود.. وكان لا يكف كل حين من ترديد أبيات العتاهية
التي يقول فيها:
لِدُوا للموتِ وابنُوا لِلخُرابِ
فكُلّكُمُ يَصِيرُ إلى تَبابِ
لمنْ نبنِي ونحنُ إلى ترابِ
نصِيرُ كمَا خُلِقْنَا منْ ترابِ
ألا يا مَوْتُ ! لم أرَ منكَ بُدّاً،
أتيتَ وما تحِيفُ وما تُحَابِي
كأنّكَ قد هَجَمتَ على مَشيبي،
كَما هَجَمَ المَشيبُ على شَبابي
أيا دُنيايَ ! ما ليَ لا أراني
أسُومُكِ منزِلاً ألا نبَا بِي
ألا وأراكَ تَبذُلُ، يا زَماني،
لِيَ الدُّنيا وتسرِعُ باستلابِي
وإنَّكِ يا زمانُ لذُو صروفُ
وإنَّكَ يا زمانُ لذُو انقلابِ
كان
يرددها بصوت مختنق بحشرجة الدموع..
كنت
بين هذين الجارين محتارا مترددا.. فبينا أنا مع الأول أحب الحياة.. وأحب اغتنام كل
فرصة من فرص اللهو والمرح والسعادة فيها..
في
نفس الوقت أجد نفسي تحن إلى الثاني.. فالحقائق كلها تدل على ما يذكره..
فالموت
هو نهاية هذه الحياة.. ومن الغبن أن نشتغل بحياة تنتهي بالموت.. ثم لا ينكشف لنا
بعدها أي سر.. ولا ينمحي لنا ونحن خارجون منها أي ظلمة من تلك الظلمات التي كانت
أرواحنا ترقد فيها.
في
ذلك الحين أصابني أرق شديد.. رحت أقلب أطراف فكري في هذه الحياة.. ما عشت منها،
وما لعله ينتظرني.. ورحت أقلب طرفي في حياة الناس السعداء منهم والأشقياء..
المتفائلين منهم والمكتئبين.. الناجحين منهم والمحبطين.. فأصابني الذهول من تلك
التناقضات الكثيرة التي تملأ الحياة..