قال:
صديقك من صدقك، لا من غشك، ومن رأى منكرا، وهو قادر على أن يغيره فلم يفعل كان
شريكا لصاحبه.
قلت:
إن هذا يهدد الصداقة.
قال:
بل هو يؤسس لها أساسا صحيحا.. ذلك أن صديقك الذي تغضبه نصيحتك، وقد يقاطعك بسببها،
سرعان ما يعود إليك، وهو أكثر احتراما لك، لأنه يشعر أنك كنت صادقا معه.
قلت:
أنت تذكرني بما حصل لي في بعض الفترات من حياتي مع بعض أصدقائي؛ فقد حذرته من بعض
الجهات التي كانت تحرضه على الفتنة.. وقد ثار في وجهي حينها، وغضب غضبا شديدا،
لكنه بعد فترة قصيرة جاء إلي معتذرا، وأخبرني أنه قد فطن إلى ما كان يراد منه، وأن
نصيحتي التي رفضها في ذلك الحين، بقيت تعمل عملها في خاطره إلى أن دعته للتثبت
والتحقيق، وقد اكتشف بنفسه كل ما ذكرته له.
قال:
ولهذا يقرن الله تعالى النصيحة بالصبر.. فالناصح الصادق هو الذي يلقي كلمته، مثلما
يلقي الفلاح البذرة.. ثم لا ينتظر أن تنتج في ذلك الحين.. بل قد يحتاج نباتها إلى
زمن طويل.
قلت:
فالنصيحة إذن هي بذر بذور الخير دون انتظار حصادها.
قال:
هذا هو الناصح الصادق.. فهو يتعامل مع ربه قبل أن يتعامل مع صديقه.. وهو يؤدي ما
وجب عليه، ولا ينتظر أن يرى ثمار ما غرسه.
قلت:
صدقت.. وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى لأشرف خلقه a: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا
فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ﴾
(الشورى: 48)، وقال: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ
وَإِنْ