اسم الکتاب : أسرار الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 348
غيره، فإذا خطر ذلك بباله هاج الخوف من قلبه ولا يدفع
ألم الخوف إلا الأمن الحاصل بوجود مال آخر يفزغ إليه إن أصابت هذا المال جائحة،
فهو أبدا لشفقته على نفسه وحبه للحياة يقدر طول الحياة؛ ويقدر هجوم الحاجات؛ ويقدر
إمكان تطرق الآفات إلى الأموال، ويستشعر الخوف من ذلك، فيطلب ما يدفع خوفه وهو
كثرة المال، حتى إن أصيب بطائفة من ماله استغنى بالآخر.
قال الرجل:
صدقت في هذا، وقد أشار إليه رسول الله a عندما قال: (لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه
ثانيا، ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثا، ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب،
ويتوب الله على من تاب)[1]..
فما السبب الثاني.. ذلك الذي نعته بالخفي؟
قال زكريا: نعم
هو خفي.. لأنه يرتبط بحقيقة الروح التي قال الله فيها :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
(85)﴾ (الإسراء)، فقد أخبر الله تعالى أن الروح أمر رباني.. وذلك يشير إلى
أنها بطبعها تحب الربوبية، ومعنى الربوبية التوحد بالكمال والتفرد بالوجود على
سبيل الاستقلال.. ولذلك قال بعض الصالحين: (ما من إنسان إلا وفي باطنه ما صرح به
فرعون من قوله :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾ (النازعات)، ولكنه
ليس يجد له مجالاً)
قام آخر،
وقال: لقد بث تشبيهك للجاه بالمال في نفسي شبهة أستحيي من ذكرها.
قال زكريا:
لا عليك.. سأجيبك عنها من غير أن تسألني.. أنت تريد أن تقول: بما أن
أنه لا بد من
المال لتقوم الحياة، فلا بد من الجاه كذلك..
قال الرجل: ذلك
ما أردت قوله.. فما جوابك عن هذه الشبهة؟
قال زكريا:
كما أنه لابد من أدنى مال لضرورة المطعم والمشرب والملبس، فلا بد –