اسم الکتاب : أسرار الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 349
قياسا عليه- من أدنى جاه لضرورة المعيشة مع الخلق..
والإنسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله فيجوز أن يحب الطعام أو المال الذي يبتاع
به الطعام، فكذلك لا يخلو عن الحاجة إلى رفيق يعينه، وأستاذ يرشده، وسلطان يحرسه
ويدفع عنه ظلم الأشرار، فحبه لأن يكون له في قلب قلوب هؤلاء جميعا من المنزلة ما
يدعوهم إلى رعايته والاهتمام به ليس حبا مذموما..
قال الرجل:
لقد أورد علي حديثك هذا شبهة أخرى.
قال زكريا:
والجواب عليها سهل يسير، فيمكن استعمال القياس لتفهم الحقيقة، وتزول الشبهة.
قال الرجل:
أنت لم تسمع شبهتي.
قال زكريا:
أنت تريد أن تقول: ما دام الأمر كذلك، فكيف يذم طلب الجاه مع أنه لا يذم طلب المال
حتى لو كثر؟
قال الرجل:
أجل.. هذا ما كنت أريد أن أقوله.
قال زكريا:
والجواب عليه هو نفس الجواب في المال.. فالمال إن طلب من حله ووضع في محله كان
مباركا.
قال الرجل:
فهل للجاه محال حلال يكسب فيها، ومحال حلال ينفق فيها؟
قال زكريا:
أجل.. ولهذا عرف الله برسله وجعل لهم من الشهرة ما صرف القلوب إليهم.. لأنه لا
يمكن أن تعرف حقائق الإيمان من دون أن يعرف الناس مبلغيها.
وهكذا المؤمن
الصالح الذي امتلك من القدرات ما يتيح له أن يخلف الرسل، فإنه إن أحب أن يكون له
جاه في القلوب، وشهرة في المجتمع، فإنه لا يعاب في ذلك ما دام يريد بذلك نصرة دينه
لا نصرة نفسه.
أما إن أراد
الجاه لنفسه، فإنه يلام على ذلك كما يلام من أحب المال لذاته من غير أن
اسم الکتاب : أسرار الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 349