وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ
وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ
اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً
عَظِيماً﴾ (الأحزاب:35)، فعلموا أن ذكر الله وامتلاء القلب به هو غاية
غايات السالكين، فلهذا انتهت به الآية التي تصف مراتب المؤمنين.
وقرأوا قوله تعالى:﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ
تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (لأعراف:205)، فعلموا أن الذكر لن يؤتي
ثماره حتى يصاحبه التضرع.. ولن يصاحبه التضرع حتى يمتلئ به القلب والكيان، فلذلك
طولب المؤمنون برفع أصوات قلوبهم وخفض أصوات ألسنتهم، فليس الشأن فيما ينطق به
لسان الجوارح، وإنما الشأن فيما ينطق به لسان القلب.
وقرأوا قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ
قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران:191)، فعلموا أن أكمل الذكر ما صاحبه
الفكر، وأن الذاكر الكامل من لا يحجبه حال من الأحوال عن ذكر الله.. فهو يذكر الله
على كل حالاته.
وقرأوا قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المنافقون:9)، فعلموا أن أعظم
الغبن، وأفدح الخسارة أن ينشغل الإنسان عن ذكر الله بأي شاغل حتى لو كان ماله
وولده.
قال ذلك، ثم اقترب بنا من حلقة من الحلقات، أشار إلينا أن نجلس
فيها، وجلس معنا، وقد كان المجتمعون في غاية الخشوع والرقة، وكانت الأنوار تحيط
بهم من كل جانب، وكانت روائح غريبة تملأ المكان، وكأنها روائح من السماء لا من
الأرض.
قال رجل من الحلقة: لقد نصحنا رسول الله a غاية النصح حين اعتبر حياتنا
متوقفة على ذكر الله.. لا على ما نتنفسه من هواء، أو نشربه من ماء.. فالماء
والهواء يغذيان الطين،