اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 451
تعالى:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ (الكهف: 110)، وقد تكرر التأكيد على بشرية الرسول a بخلاف أمور الشريعة، فإن كلامه فيها لا
يستقر فيه خطأ، كما هو ثابت في علم أصول الفقه. فالأصل استمرار حاله في أمور
الدنيا كما كان قبل النبوة، لما لم يدل على انتقاله عن ذلك دليل.
ومما يؤكد هذا أن الحباب بن المنذر، قال
في سياق غزوة بدر: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن
نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب
والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض حتى تأتي أدنى ماء من
القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم
نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله a: لقد أشرت بالرأي.
ومما يزيد في تأكيده قول عائشة: (كان
رسول الله a يسقم عند آخر عمره، أو في آخر
عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فينعتون له الأنعات، وكنت أعالجها
له)
وفوق هذا، فهذا هو مذهب العلماء الفحول
العدول من هذه الأمة..
لقد قال ابن خلدون: (الطب المنقول في
الشرعيات ليس من الوحي في شيء.. وإنما هو أمر كان عاديا للعرب.. فإنما بُعث
ليعلمنا الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره)
ولهذا.. فإن منصب النبوة مُنصب على العلم
بالأمور الدينية، من الاعتقاد في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومن
الأمور الشرعية.. أما إن اعتقد النبي a أن فلانا مظلوم فإذا هو ظالم، أو أن دواء معينا يشفي من مرض معين،
فإذا هو لا يشفي منه، أو أن تدبيرا زراعيا أو تجاريا أو صناعيا يؤدي إلى هدف معين،
فإذا هو لا يؤدي إليه، أو يؤدي إلى عكسه، أو أن تدبيرا عسكريا أو إداريا سينتج
مصلحة معينة، أو يدفع ضررا معينا، فإذا هو لا يفعل، فإن ذلك الاعتقاد لا دخل له
بالنبوة، بل هو يعتقده من حيث هو إنسان، له تجاربه الشخصية، وتأثراته بما سبق من
الحوادث، وما سمع أو رأى من غيره؛ مما أدى إلى نتائج معينة. فكل ذلك يؤدي إلى أن
يعتقد كما يعتقد غيره من البشر، ثم قد ينكشف الغطاء فإذا الأمر على خلاف ما
اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 451