لقد روي في سبب نزول هذا الآيات الكريمة
ما يدل على وجوب استقلال سلطة القضاء في الإسلام عن سلطة الحكم.. ففي الحديث عن
ابن عباس قال: إن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله a في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن
بها رجل من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله a فقال: إن طُعْمةَ بن أُبَيْرق سرق درعي،
فلما رأى السارق ذلك عمد إليها، فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته:
إني غَيَّبْتُ الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبي الله a ليلا فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا
بريء، وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فاعذُرْ صاحبنا على رؤوس الناس
وجادل عنه، فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك، فقام رسول الله a فبرأه وعذرَه على رؤوس الناس، فأنزل
الله هذه الآيات[1].
قلت: فما حاجتك إلى الذهاب إلى المحكمة
إذن؟
قال: أنا ذاهب إلى المحكمة باعتباري فردا
من هذه المدينة، لا باعتباري حاكما لها.
ابتسمت، وقلت: وهل يمكن للحاكم الذي
انتخب حسب مواثيق العدالة أن يكون مجرد مواطن عادي كسائر الناس؟
قال: أجل.. هو في منصة حكمه حاكم.. ولكنه
فيما عدا ذلك مواطن كسائر الناس.
قلت: فما حاجتك للذهاب إلى المحكمة؟
قال: لقد ادعى بعضهم بأني ظلمته.. وقد
استدعاني القاضي للتحري في مظلمته..
[1] ابن مَرْدُويه، وقد رواه الترمذي بغير هذه الصيغة مطولا، ثم
قال: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني، ورواه ابن حاتم
وابن المنذر في تفسيره، ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره، ورواه الحاكم، ثم
قال: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 382