اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 207
سكت قليلا، ثم قال: لقد ضرب رسول الله a مثالا آخر للدنيا، ومقارنتها
بالآخرة، فقال: (ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه ـ وأشار
بالسبابة ـ في اليم، فلينظر بم ترجع؟)[1]
التفت إلي، وقال: إن هذا المثل من أحسن الأمثال؛ فإن الدنيا
منقطعة فانية، ولو كانت مدتها أكثر مما هي، والآخرة أبدية لا انقطاع لها، ولا نسبة
للمحصور إلى غير المحصور.. بل لو فرضنا أن السموات والأرض مملوءتان خردلاً، وبعد
كل ألف سنة طائر ينقل خردلة لفني الخردل، والآخرة لا تفنى؛ فنسبة الدنيا إلى
الآخرة في التمثيل كنسبة خردلة واحدة إلى ذلك الخردل[2].
لقد ذكر القرآن هذا المعنى وكرره.. فالله تعالى يقول داعيا نبيه
a إلى الرغبة في الله وفيما عند الله
مقارنا لذات الدنيا بلذات الآخرة:﴿ وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا
مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (طـه:131)، ويقول
مخاطبا من حجبوا بمتاع الحياة الدنيا وزينتها:﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ
وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ (القصص:60)، ويقول:﴿ فَمَا
أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ
خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الشورى:36)
سكت قليلا، ثم قال: لقد ضرب رسول الله a للدنيا مثالا بالمسافر، ففي الحديث
عن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله a وقد نام على حَصِير، وقد أثَّرَ في
جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتَّخَذنا لك وطاءً تجعلُهُ بينك وبين الحصير، يقيك
منه؟ فقال: (ما لي وللدنيا؛ ما أَنا والدنيا إلا كَرَاكبٍ استَظَلّ تحت شجرة ثم
راح وتركها)[3]