اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 206
بغير حقها؛ وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول، فتستكثر الماشية
منه لاستطابتها إياه، حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حدَّ الاحتمال، فتنشقُّ
أمعاؤها من ذلك فتهلك، أو تُقارب الهلاك؛ وكذلك الذي يجمعُ الدنيا من غير حقها
ويمنعها من حقها: قد تعرض للهلاك في الآخرة، لا بل في الدنيا.
وأما مثل المقتصد، فقد أشار إليه رسول الله a بقوله: (إلا آكلة الخضر)؛ وذلك أن
الخضر ليس من أحرار البقول وجيِّدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن
وتنعم، ولكنه من التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبْسِها، حيث لا تجد سواها،
فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تَستَمْرِئُهَا، فضرب آكلة الخضر من المواشي
مثلاً لمن يقتصر في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو
ينجو من وبالها، كما نجت آكلة الخضِر[1].
ولهذا قال a: (أكلت، حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثلطت وبالت)..
إن في هذه الكلمات ثلاث فوائد:
أولها: أنها لمَّا أخذت حاجتها من المرعى، تركته وبركت مستقبلة
الشمس لتستمرئ بذلك ما أكلته.
والثانية: أنها أعرضت عما يضرها من الشره في المرعى، وأقبلت على
ما ينفعها من استقبال الشمس التي يحصل لها بحرارتها إنضاج ما أكلته وإخراجه.
والثالثة: أنها استفرغت ما جمعته من المرعى في بطنها، فاستراحت
بإخراجه، ولو بقي فيها لقتلها.
وهكذا جامع المال.. فإن مصلحته أن يفعل به كما فعلت هذه الشاة.