المحبوب، والفناء عن الذات استغراقا في ذات
المحبوب.. ألم تسمع حديث الذي قال لرسول الله a: يارسول الله، لأنت أحب إلي من
كل شيء، إلا من نفسي، فقال له النبي a: (لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك
من نفسك)[1]
قلت: بلى.. ولكن لم كان الأمر كذلك؟
قال: لاشك أنك تعلم أن الإنسان عبارة عن
مجموعة أركان.. هو مثل أي بنيان.. فهو مكون من جسد ونفس وعقل وروح وسر.. ولطائف
كثيرة يكتشفها كلما ترقى في سلوكه وترفعه وسموه.. وقد لا يفطن لها، ولكنها مع ذلك
موجودة فيه.
قلت: أعلم هذا.. وقد تحدث علماء النفس
المسلمين عن البراهين الدالة على وجود هذه اللطائف والقوى واللبنات التي يتكون
منها الإنسان.
قال: لقد جعل الله لهذه اللطائف مراتب
مختلفة في التحقق والتخلق..
قلت: أعلم هذا.. وقد ذكر القرآن للنفس
مراتب.. فمنها النفس الأمارة التي ذكرها الله في قوله:﴿ وَمَا أُبَرِّئُ
نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ
رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
(يوسف:53).. ومنها
النفس اللوامة التي ذكرها الله في قوله:﴿ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ﴾
(القيامة:2).. ومنها النفس المطمئنة التي ذكرها
الله في قوله:﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ (الفجر:27)
قال: وكذلك هناك العقل الأمار المخادع..
وهناك العقل اللوام المجادل.. وهناك العقل المطمئن الموقن..
وهكذا الجسد.. وهكذا الروح.. وهكذا كل لطائف
الإنسان.