اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 472
لخدمة التربية النبيلة.
قلت: ولكن ما ذكرته من هذه المعاني لم
يحصل.. فأغلب الشعر العربي يضم مدائح كاذبة، ترفع البشر من الحكام والقواد وزعماء
القبائل والعشائر الى مصاف المثالية المغرقة، فجودهم كالبحر أو الريح المرسلة،
وشجاعتهم فوق التصور، وأخلاقهم لا مأخذ فيها، ولا ضعف في بنائها، وبيانهم معجز لا
ركاكة ولا إسفاف، ووجوههم مشرقة كالشموس أو البدور.. ومن هنا يرمون الشعر والشعراء
بالنفاق والكذب الصراح، والتزلف وإغفال جانب الجماهير في المطالبة بحياة أسعد
وأرغد..
قال: إن كل ما ذكرته صحيح.. ولكنه يصب في
صالح الفن الإسلامي، وفي خدمته لهذه الغاية العظمى من الفن غاية التهذيب.
قلت: كيف ذلك؟
قال: ألا ترى أن فننا يتوجه ليصور واقع
المنحرفين كما هو بمجونه وصراعه وانحرافه.
قلت: أرى ذلك.. فهو على الأقل يصور الواقع.
قال: ولكنه يملأ النفوس بالكدورات.. إن الفن
مدرسة.. والنفوس تتلقى منها.. وهي في تلقيها تنشغل عن الوقائع بالمفاهيم والقيم..
ولذلك تمتلئ بقيم الإجرام إذا أدمنت مشاهد الإجرام.
قلت: وشعر المديح الذي اشتهر في الإسلام.
قال: إن الشاعر في مدائحه يحاول ان يرسم
صورة مثالية رائعة لما يجب أن يكون عليه الممدوح، إن فضيلة الكرم اذا وضحت في
الأذهان، واتخذت أغنية أو قصيدة تترنم بها المحافل، وارتبطت بشخصية من الشخصيات،
فإن إشاعة مثل هذه الفضيلة يؤدي الى ترسمها والنسج على منوالها، فتسود فضيلة الكرم
فعلاً.. والتغني بالعدالة والحرية والنبل، وربط الممدوح بها، يلفت النظر إليها
ويجعلها بالممارسة والحديث الطويل عنها حقيقة كائنة.
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 472