اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 210
لم يكونوا يحملون مع جيوشهم الجرارة من فضل حضارة وإنسانية،
ليساهموا في رفعة الإنسان، بل كان زادهم الوحيد، وهاجسهم الوحيد، ودافعهم الوحيد
هو أن يعرفوا العالم الذي نعتوه بالبربرية من هو الإنسان الروماني وأي دماء تسري
في عروقه.
وعندما أباد خلفهم من الأوروبيين سكان أمريكا وأستراليا،
واستعبدوا سكان إفريقيا واستعمروا سكان آسيا لم يكونوا يشعرون بأي ألم، وهم
يستغلون الأرض، ويستسخرون البشر، ويمصون دماءهم، لأنهم كانوا يعتقدون، بل قد
يصرحون، بأنهم الجنس السامي، والإنسان الممتاز، الإنسان الذي يجوز له أن يستغل من
دونه كما يستغل سائر البشر النبات والحيوان.
ومرت حقبة على البشرية تصوروا أنهم تخلصوا من العبودية
والاستعمار، وأن الإنسان ترقى ليمحو آثار الشعوبية والقبلية والعرقية، وأن العالم
يتجه نحو الإنسان المفصول عن أعراقه، ولكن الأخبار التي تبث كل يوم، بل كل ساعة
تكذب كل هذا.
فالآلاف يموتون في أنحاء العالم بجريمة من جرائم ذلك الإنسان
الأشقر، فلا يلتفت العالم لهم، ولا يترحم عليهم، ولا يعزي ذويهم في مصابهم، لأن
الموت هو المصير الحقيقي لهم، وهو الخاتمة السعيدة لمأساة وجودهم، فإذا ما جرح فرد
من أفراد ذلك الجنس المتميز انتهض البشر جميعا لمداواة جراحه، وإذا ما فقد انتهضوا
جميعا للبحث عنه، فإذا مات تحولوا جميعا معزين ومواسين، والويل لمن لم يفعل كل
ذلك، أو بعض ذلك.
هذه الشعوبية والقبلية والعرقية هي التي وقفت قديما حائلا بين
الشعوب واتباع أنبيائها، وهي التي تقف حاليا بين هذا العالم الذي يدعي معرفة كل
شيء، ويتصور أنه حقق كل شيء، وبين الالتفات للبحث عن التفسير الصحيح للكون، والبحث
الجاد عن حقيقة الإنسان.
التفت إلي، وقال: هذا مثال واحد عن أثر الوعي بحقيقة الخلافة في
تقويم سلوك الإنسان والجماعات.. وهو مثال لم يكتمل نضجه إلى على أيدي محمد.
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 210