اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 209
لأي قوّة اجتماعية أياً كانت، بل هو خاضع لله وحده.. فلا قمية
لنسب ولا لون ولا وطن ولا قومية.. ولا أي شيء من هذه الأشياء التي قام عليها
التناحر بها بين البشر.
والخلافة بهذا الشكل حركة دائبة نحو قيم الخير والعدل والقوّة..
حركة لا توقف فيها لأنها متجهة نحو المطلق، وأي هدف آخر للحركة سوى المطلق سوف
يكون هدفاً محدوداً، وبالتالي سوف يجمد الحركة ويوقف عملية النمو.
قلت: فما الفرق بين هذا الفهم الذي جاء به الإسلام.. وبين سائر
المذاهب والأفكار؟
قال: الفروق عظيمة لا يمكن حصرها.. سأضرب لك أمثلة عنها لتدرك
سمو التصور الإسلامي، وانحطاط سائر التصورات.
الإسلام يعتبر الإنسان.. كل إنسان.. خليفة لله.. أي انتماء
الإنسان الأول لله، فهو الذي خلقه.. ومنه يستمد وجوده، ورزقه، وإليه يتوجه
بالعبادة والدعاء.
وهذا الانتماء يجعله يمحو من خاطره وسلوكه كل تلك الانتماءات
الضيقة التي تمليها عليها حدود المكان والزمان والمصالح.
ولهذا.. فهو يشعر بأخوة تنتظم جميع الكون.. ولا تنحصر في البقع
الضيقة التي ولد فيها، أو انتسب إليها.
قارن هذا المفهوم الذي ينطلق من قوله تعالى:﴿ يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ (الحجرات) بجميع المفاهيم
العنصرية التي تفوح من الأديان والمذاهب والحضارات..
إن القوميات والشعوب والقبائل والآباء والأنساب التي ابتعد بها
الإنسان عن الانتماء لله.. كما يعنيه مفهوم الخلاقة.. هو الذي صدر مع صداه الضارب
في أحقاب التاريخ أكثر الحروب، وأبشع العصبيات، وأرذل الجرائم الإنسانية.
فعندما انطلق الرومان من أرضهم الخصبة، ومعيشتهم الميسرة،
وفلسفتهم وأساطيرهم
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 209