ولكن على الرغم من هذه المحاولة من جانب الداروينية الحديثة ما
زال الإنسان ـ في أذهان الناس جميعا ـ حيوانا.. وما زال التركيز على الجانب
البيولوجي من كيانه، ولا ذكر على الإطلاق للجانب الروحي من الإنسان.
إن السخرية بالإنسان تصل بالداروينية حدها حين تقصر تطور في
الإنسان في عقله وإبهامه.
عقله تطور حين تعود الإنسان ـ أو الكائن الشبيه بالإنسان ـ على
الوقوف منتصبا لفترات طويلة ليأكل من ثمار الشجر، فارتكز رأسه على الجذع، فأتيح
للمخ أن يكبر، فتعلم وتكلم.
وإبهامه تطور (ولا أدري لماذا!) فصار يحسن الإمساك بالأشياء،
فاستخدم الأدوات، ثم سعى إلى تحسينها، فصارت له حضارة.. وصار له تاريخ.
وفيما عدا هذين.. بقي الإنسان حيوانا..كان وما يزال.
قلت: ألم ير هؤلاء الأغبياء الإنجازات الحضارية العظيمة التي
قام بها الإنسان دون سائر الحيوانات؟.. ألم يكن في هذا ما يكفيهم ليصدهم عن
وساوسهم تجاه حقيقتهم؟
ابتسم، وقال: لم يصعب عليهم أن يجدوا حلا لذلك..
لقد ذكروا أن الإنسان حيوان.. كان وما يزال.. تطور منه ما تطور،
ولكنه لم يخرج من حيوانيته.
وما دامت أهداف ومشاغل الحيوان تنحصر في صراع البقاء،
والاستمتاع، المتمثل في الطعام والشراب والجنس.. فإن هذه نفس مشاغل الإنسان
وأهدافه.
والفرق بينهما.. بين الإنسان المتطور، والحيوان.. هو أن الحيوان
يقوم بهذين الأمرين
[1] جوليان هكسلي، الإنسان في
العالم الحديث، مقتطفات من ص 3 – ص 9.
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 204