اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 185
في الدفتر الذي سلمني إياه
المرشد، مع كونه لم يكن ينتسب لجامعة السربون.
وقد كنت أتحين الفرص للقائه
والاستماع إليه، ولكني لم أظفر بذلك إلا في ذلك اليوم الجميل...
في ذلك اليوم كنت أسير في شارع
مزدحم من شوارع باريس.. كانت أصوات السيارات فيه تكاد تصيبني بالصمم.. وكان الهواء
مكدرا.. والروائح التي تنبعث من المحلات المختلفة تملأ الأنف بالتقزز..
ربما هناك من يحب هذه الأجواء
المزدحمة.. ولكني لم أكن من هذا النوع.. فأنا أحب الحياة الهادئة الوديعة المسالمة
الساكنة..
في ذلك الجو الكئيب ـ بالنسبة لي
على الأقل ـ التقيت ضالتي التي كنت أبحث عنها (مارسيل بوازار).. وقد عجبت إذ رأيته
ينشغل في ذلك الزحام بشجرة من الأشجار، يطأطئ رأسه إليها، ويحرك بيديه تربتها،
ويزيل عنها ما علق بها من آثار الازدحام، ثم يخرج من حقيبته قارورة ماء، يسقيها
بها، ويمسح على أغضانها وأوراقها كما يمسح أحدنا على رأس اليتيم والمسكين.
تعجبت من سلوكه الطيب هذا..
واقتربت منه، وحييته، فرد علي التحية، ثم عاد إلى الشجرة يمسح عنها ما علق بها.
قلت له: ألست (مارسيل بوازار)؟
قال: أجل.. هل تعرفني؟
قلت: أجل.. لقد قرأت كتابك عن
(إنسانية الإسلام).. وأنا أتعجب كيف كتبت ذلك الكتاب، ولماذا كتبته؟
قال: كتبته لأجل هذه الشجرة التي
تراها تئن، ولا يسمعها أحد.. وتبكي ولا تجد من يمسح دموعها.. وتمتلئ الأرض التي
تستقر عليها بالقاذورات، ثم لا تجد من ينظفها.
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 185