حمدت الله، فقد انخفض صوته، ثم تلاشى بعدها.. لكني لم ألبث حتى سمعت
من بيت جار آخر صوت فيلم بوليسي لم أسمع من كلماته غير كلمات الرصاص والتفجيرات
وأصوات السيارات المزعجة.
بعدها ذهبت إلى النافذة لأطل على الشارع، فشاهدت صبية صغارا، وهم
يلعبون لعبة الشرطي واللصوص، ويستعملون ما أبدعت هذه الحضارة الشقية في صناعته من
أنواع المتفجرات التي لا تكاد تفرق بينها وبين المتفرجات الحقيقية.
أغلقت النافذة.. فما لبثت حتى سمعت صوت ولدي، وهو يبكي طالبا من أمه
أن تشتري له نوعا جديدا من المتفجرات امتلأت به أسواقنا.. وكان يقول لها، وهو
يبكي:( لقد اشترى كل الأولاد هذه المتفجرات، ولم نبق إلا نحن)، ثم أخذ يصيح :( صدق
الناس عندما يعتبروننا بدوا متخلفين.. فنحن لسنا سوى ما ذكروا)
لم أدر كيف غضبت في ذلك الحين غضبا شديدا، ورحت أصيح في الولد وأمه
بهستيرية، وأنا أقسم بأغلظ الأيمان بأن لا أشتري له أي لعبة..
بكى ولدي بكاء شديدا لم يحرك في ساكنا.. لكن أمه نهضت وأشغلت
التلفاز.. فما إن رأى الولد فيلما من أفلام الرسوم المتحركة المليئ هو الآخر
بالقنابل والمدافع والدبابات حتى راح ينشغل بالتفرج عليها عن المتفجرات التي كان
يطلبها.
هكذا بدأ ذلك اليوم الذي سمعت فيه قصة ذلك الشيخ الممتلئ بالسلام،
وهو يحكي رحلته إلى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم.. والتي سأرويها لكم..
ومع أن المشهد لم يكن يختلف كثيرا عن سائر الأيام.. لكني في ذلك
اليوم خصوصا امتلأت بالألم.
لقد رأيت الصراع في صورة شيطان قد استوى على عرش البشرية، فراح يملي
عليها من ألوان الصراع ما لم يعرفه البشر في تاريخهم جميعا.