لكني فجأة.. شعرت بروحانية عميقة، وأنا أسمع صوت الشيخ الصالح في
زحمة تلك الأصوات جميعا، وهو يردد بخشوع قوله تعالى:﴿ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ
رَحِيمٍ ﴾ (يّـس:58).. ثم يكررها مرات كثيرة.. ثم تختلط دموعه بصوته، فلا أكاد أميز صوته
عن دموعه.
لست أدري كيف دب الأمل إلى نفسي، وذهب عني ذلك الإحباط الذي سببه لي
ما رأيته وسمعته.
أسرعت إليه.. وقلبي يردد ما يردده من الآية الكريمة.. استأذنت عليه،
فأذن لي، ودموعه لا تزال تفيض من آثار ما قرأه من القرآن الكريم.
قلت له: سيدي.. ألم تزعجك أصوات المتفجرات التي استيقظنا عليها هذا
الصباح؟
قال: نعم.. انزعجت لها كثيرا.. بل كدت أشتعل من فرط انزعاجي.. فلذلك
رحت أقرأ آيات السلام لأغسل بها أدران الصراع التي أنشأتها في نفسي أصوات
المتفجرات.
قلت: اعذرني ـ سيدي ـ فأنت تعلم الحال التي صار إليها قومي.. لقد
استبدلوا بأصوات القرآن العذبة هذه الأصوات.. وليتهم استبدلوها بنهيق الحمير، ولم
يستبدلوها بهذه الأصوات.
قال: أنا لم أنزعج لأجل الأصوات.. وإنما انزعجت من قومي..
قلت: قومك!؟.. وما علاقة قومك بهذا؟
قال: ألا ترى أن قومك لم يتخلوا عن أصوات القرآن إلى هذه الأصوات إلا
بعد أن تخلوا عن التلمذة على القرآن الكريم وعلى نبيهم a، وراحوا يتتلمذون على قومي؟
قلت: أراك تلصق بقومك كل مثلبة.. فهل أنت من الذين يؤمنون بنظرية
المؤامرة[1]؟.. إن من يؤمن بها
متخلف عندنا.
قال: ولم تعتبرونه متخلفا؟
[1] ننبه إلى أننا بنينا أحداث هذه
الرسالة على ما يسمى بنظرية المؤامرة بأبعادها المختلفة.. ونحن ـ كما تعودنا في
هذه السلسلة ـ لا نقصد الأحداث، وإنما نقصد المعاني الرمزية التي تحملها.