تدبروا هذه الآيات،
فإنها جامعة لوجوه البيان الذي امتن به الله تعالى على الناطقين من خلقه وفضلهم به
على سائر الحيوان، فضلا منه تعالى يؤتيه من يشاء.. والله ذو الفضل العظيم.
وقد وجدنا أن الله عز وجل عدد
في عظيم نعمه على من ابتدأ اختراعه من النوع الإنسى تعلمه أسماء الأشياء؛ فقال
تعالى :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)(البقرة: من الآية31)..
وهو الذي بانت به الملائكة والإنس والجن من سائر النفوس الحية، وهو البيان عن جميع
الموجودات، على اختلاف وجوهها، وبيان معانيها، التي من أجل اختلافها وجب أن تختلف
أسماؤها، ومعرفة وقوع المسميات تحت الأسماء فمن جهل مقدار هذه النعمة عند نفسه،
وسائر نوعه، ولم يعرف موقعها لديه، لم يكن يفضل البهائم إلا في الصورة؛ فلله الحمد
على ما علم وآتى، لا إله إلا هو.
ومن لم يعلم صفات الأشياء
المسميات، الموجبة لافتراق أسمائها، ويحد كل ذلك بحدودها، فقد جهل مقدار هذه
النعمة النفيسة، ومر عليها غافلا عن معرفتها، معرضا عنها، ولم يخب خيبة يسيرة بل
جليلة جدا.
قال بعض التلاميذ: كيف تقول
هذا، ولم نر أحدا من السلف الصالح تكلم فيه؟
قال ابن حزم: إن هذا العلم
مستقر في نفس كل ذي لب.. فالذهن الذكي واصل بما مكنه الله تعالى فيه من الفهم، إلى
فوائد هذا العلم.. والجاهل كالأعمى يحتاج إلى أن ينبه عليه.. وهكذا سائر العلوم..
فما تكلم أحد من السلف الصالح، رضى الله عنهم، في مسائل النحو، لكن لما فشا جهل
الناس، باختلاف الحركات التي باختلافها اختلفت المعاني في اللغة العربية، وضع
العلماء كتب النحو، فرفعوا إشكالا عظيمة، وكان ذلك معينا على الفهم لكلام الله عز
اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 263