قال: ما دمت قد أمنت عليك من
أشعة محمد، فلن تضرك بعدها أي أشعة.
قلت: ولكن الذين سأذهب إليهم
لهم حظ من أشعة محمد.
قال: إن الأشعة التي نالوها من
محمد لن تزيدك إلا فرارا منه.. وهذا ما دعاني إلى السرور بقرارك، فإن الرحلة التي
سترحلها هذه المرة ستغسل عنك كل تلك الشبهات التي علقت بقلبك من رحلاتك السابقة.
قلت: لم؟
قال: سترى من أولئك المصارعين
الصورة الحقيقية لمحمد.. تلك الصورة التي ظلت تتزين لك لتملأك بالغواية.
^^^
كان أخي يدرك المخاطر التي يمكن
أن أتعرض لها في كل لحظة في تلك البلاد التي قررت الذهاب إليها.. لذلك ودعني ـ
كغير عهده ـ وداعا حارا، وكأنه قد تيقن أني لن أعود إليه من جديد.
امتطيت الطائرة.. وسرت إلى
البلاد التي تموج بكل أنواع الصراع.
عندما دخلتها لم أشم إلا روائح
الموت.. كان الموت في الطرقات والأزقة والبيوت كالهواء الذي نتنفسه، والماء الذي
نشربه.
في المطار رأيت عشرة من
الرجال.. فيهم الكهل، وفيهم الشاب، وفيهم الشيخ.. كلهم وقفوا في انتظار الحافلة
التي سننتقل بها إلى المدينة التي لا يولد فيها إلا الموتى.
كان أهل المطار ينظرون إلينا
بشفقة وحزن، وكأنهم يعلمون ما ينتظرنا من دواه.
لم نلبث إلا قليلا حتى جاءت
حافلة خربة عضتها السنون بنابها.. وقد كان إطارها مخترقا برصاصات كثيرة تدل على
المخاطر الكثيرة التي نريد أن نسير إليها.
ركبنا الحافلة.. ولم نسر إلا
أميالا حتى استقبلنا من يسميهم الناس (صناع الموت)..